و أنا <أتسركل> بمعنى أتسكّع في شوارع اليوتيوب و أزقته التي لا
تنتهي، وتلك العناوين الجذابة ذات المحتوى الفارغ كالعادة دون التعميم، رأيت عنوانا جذابا جدا لفيديو، يحتوي موضوع
حساس جدا أيضا، كانت بطلة الفيديو بدون منازع محبوبة الجماهير، قناة الجزيرة
الإخبارية، تحت عنوان سقطت نظرية داروين التي تدّعي أن الإنسان أصله قرد. تأخذك الجزيرة
في مدة ثلاث دقائق من عالم لعبتها السياسية القذرة إلى عالم العلوم و الذي أيضا لم
يسلم من تسلُّطها.
فضولي لم يدعني أمر مرور الكرام على الفيديو فقررت أن أرى
علماء الجزيرة على ماذا أسَّسوا هذا الخبر، فقمت بمشاهدة الفيديو كاملا، فإذا بهم يحطمون
نظرية التطور رئسا على عقب، و يسلخون فيها كما تسلخ الذبيحة دون أن تذبح حتى. معتمدين
على مؤتمر صحفي لأحد المؤسسات العلمية الكبرى، الجمعية الأمريكية لتقدم العلوم(AAAS) و هي تعلن اكتشاف لهيكل عظمي سمي بآردي.
الغريب في الأمر أني قراءة لتلك المؤسسة العديد من المقالات بخصوص التطور، و
هي من أشد المدافعين على النظرية، التي تعتبره حقيقة علمية مثلها مثل الجاذبية لدى
الفيزيائيين. لكن في الفيديو كان للجزيرة كلام آخر، حيث أقرت بأن نظرية التطور سقطت
و أسقطت معها كل الإدعاءات التي تقول بأن الإنسان أصله قرد؛ هذا الكلام يعتبر من أشد المغالطات التي تمرَّرُ على النظرية، لكن علماء الجزيرة
لا يملكون الوقت الكافي للبحث و التدقيق في المراجع و البحث الدقيق.
العلماء الذين تحدثوا حول الاكتشاف اقروا بأن الكشف ضربة جديدة للتطور، وأنه
يعطي أدلة جديدة حول بطلان النظرية، حسب مترجمي قناة الجزيرة، و بالتالي فاستنتاج الجزيرة
هو بطلان النظرية.
اشتد فضولي ووصل السيل الزبى كما يقال، فكلام العلماء و المؤسَّسة ككل يتناقض
مع مجموع المقالات التي قراءة، و هو ما دفعني إلى الجنون، لوهلة صدَّقة كلام الجزيرة،
و الذي زاد من إحساسي بالغباء؛ تبا لقد صدقتها لوهلة و لكن الريبة المتروكة في حول
التناقض في كلام المؤسسة دعاني إلى البحث المكثف لأصل إلى الحقيقة المخفية وراء تقرير
الجزيرة.
بدأت ابحث في أرشيفات المؤسَّسة حول اكتشافهم، و الذي و من حسن الحظ، وجدت نسخة
منه بالمجان، لم أكتفي بالصيغة المكتوبة فقط بل بحث أيضا على المؤتمر الصحفي، فهو الذي
تم نقله على الجزيرة بترجمة عربية، و بالمستوى المحترم لي في اللغة الإنجليزية، استطعت
تفكيك رموز المؤتمر الصحفي. فكانت المفاجئة العظمى.
كلام الجزيرة و كما العادة كان مزورا فالبحث لم يكن يسقط النظرية بل هو إضافة
لها، آردي لم تكن تسقط النظرية بل كانت إضافة للنظرية و دليل على تفرع التطور، الغريب
هو أن آردي تتميز بهيكل يساعدها على الوقوف والمشي على رجلين و بالتالي اعتبرت في شجرة
الحياة أنها في جهة البشر و ليس في جهة القردة و بالتالي فهي تعتبر من الحيوانات الانتقالية
في تطور الجنس البشري.
الجزيرة لم تكتفي بتزوير المؤتمر الصحفي و التلاعب في تصريحاته، و كذا قطع الكلام
المهم و اختيار الكلام المبهم من أجل تمرير المغالطات للمجتمع العربي، بل أدهى من ذلك
فهي تعطي تصريحات مخالفة للواقع، و تجعل المتتبع العربي في جهل كبير للحقيقة.
هذا هو حال الإعلام العربي، كذب و تزوير في جميع المجالات التي تستطيع تخيلها،
فمن لعبة السياسة القذرة، تحولت المنابر الإعلامية و نقلت قذارتها نحو أرقى مجال في
الحياة البشرية، المجال العلمي؛ من اجل تدنيسه و محاولة إغباء المجتمع العربي مستغلين
الفراغ العلمي الكبير الذي يضرب المنطقة ككل.
مرجع الاكتشاف :
مناقشة للهيكل من طرف احد المكتشفين :
الاكتشاف على قناة الجزيرة :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق